رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإهمال يدمر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الإهمال يدمر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد
بقلم/ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن من الأمراض الاجتماعية التي أصابت حياتنا مرض الإهمال والتسيب واللامبالاة، وهو يعني التقصير في الأعمال والتهاون في أدائها وعدم إتقانها، والله عز وجل قد حذرنا من هذا الإهمال، وأخبرنا بأنه رقيب علينا وينظر إلى أعمالنا؛
قال تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
وقال تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ)
إن الإهمال يدمر حياة الشعوب والمجتمعات والأفراد، وهو عدو التقدم والتطور والبناء،
فكم من كارثة وكم من جريمة كان سببها الإهمال!!
به تتعطل المصالح وتهدر الأموال ويقل الإنتاج ويضعف الاقتصاد وتتعرض النفوس للأخطار.
لذلك سعى الإسلام إلى تربية أبنائه على تحمل المسؤولية، فكلَّ لحظة من لحظات حياة المسلم تتجسد فيها المسؤولية بكل صورها، أفرادًا ومجتمعات، هيئات ومؤسسات، شعوبًا وحكومات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
والمسؤولية في الإسلام تعني أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شيء جعل الشرع له سلطانًا عليه، أو قدرة على التصرف فيه بأي وجه من الوجوه، ابتداءً من المسؤولية الشخصية، وهي مسؤولية كل فرد عن نفسه وجوارحه وبدنه، وروحه وعقله، علمه وعمله، عباداته ومعاملاته، ماله وعمره، وهي مسؤولية لا يشاركه في حملها أحد غيره؛
إن أول مسؤوليات الإنسان هي مسؤوليته عن نفسه، فلابد أن يعتنى بتربيتها وإصلاحها، لأنه سيسأل عن جميع اعماله
قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
روى أن عمر -رضي الله عنه- كان في سفر، فلما كان قريبًا من الروحاء سمع صوت راعٍ في جبل، فعدل إليه ونادى عمر: يا راعي الغنم، فقال له الراعي وقد عرفه: نعم يا راعيها؛ يعني يا راعي الأمة، قال عمر: “لقد مررت بمكان هو أخصب من مكانك، هذا هو المكان الفلاني، وإن كل راعٍ مسؤول عن رعيته، ثم مضى عمر في طريقه”.
الله أكبر!! يوم ترى خليفة المسلمين ينصح راعي غنم، ويدلّه على مكان هو أخصب من المكان الذي هو فيه، ويذكِّره بأن كل راعٍ مسؤول عن رعيته أن يختار لها ما هو أنفع، وأن يؤثر مصالحها في كل موقف.
عمر ينادي الراعي: يا راعي الغنم، والراعي يجيبه بقوله: نعم يا راعيها؛ أي يا راعي الأمة، لا فرق في التزام المسؤولية بين هذا وذاك. مسلمون حقًا،
إن المتمعن في أحوال كثير من مجتمعات أمتنا الإسلامية يلحظ كيف أصبح الإهمال والتسيب يضرب بجذوره في تربتها ويعشش في زواياها، ويعيث هدمًا في أركانها، حتى صار سيد الموقف في كثير من تصرفات البشر فيها، ولو بنسب متفاوتة، وانظروا مثلاً إلى الحفر في الشوارع التي أهملها مهندس الطرق، كم سببت من حوادث، وانظروا إلى الميكانيكي الذي أهمل في إصلاح السيارة، وإلى الطبيب الذي لم يفحص مريضه بشكل جيد، فسبب له مرضًا مزمنًا أو عاهة مستديمة لا يمكن الشفاء منها، ولو انه لم يهمل وأتقن في عمله لشفي. وانظروا إلى المدرس الذي أهمل في تحضير درسه وأداء رسالته، وإلى المحاضر الذي أهمل إعداد محاضرته،
وهذا الموظف أو المدير أو المسؤول الذي يهمل في أداء عمله كم من حقوق تضيع وواجبات تختفي ومعاناة يجدها الناس!!
بل إن من يعَطّل مصالح المسلمين ولم يقض حوائجهم وهو قادر على ذلك واقع تحت قول النبي -صلى الله عليه وسلم- قال “مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ”.
الخليفة عمر -رضي الله عنه- وهو يستشعر مسؤوليته وواجبه في يومٍ الصيف شديد الحر وهو محتجز بعباءة، يحاول إدراك بعير من إبل الصدقة شرد، فقال: يا أحنف: ضع ثيابك، وهلم فَأَعِنْ أمير المؤمنين على هذا البعير؛ فإنه من إبل الصدقة، فيه حق لليتيم والمسكين والأرملة، فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة يكفيك هذا، قال عمر: “ثكلتك أمك، وأُيُّ عبدٍ هو أعبد مني ومن الأحنف”.
إنه من ولي أمر المسلمين، فهو عبد المسلمين، يجب عليه ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة، فيا لله! ورب عمر إن مشهدًا كهذا خير من الدنيا وما فيها.
بسبب الإهمال تتعطل الأجهزة وتتلف المعدات وتتوقف مصالح الناس، ويظهر الإسراف والتبذير والعبث بالأموال العامة والخاصة،
فكم من أدوات ومكتسبات عامة وخاصة تحتاج إلى صيانة وتخزين جيد وحسن رعاية تنتهي بسب الإهمال وضعف الرعاية والمتابعة!!
حتى العلاقات الزوجية والإهمال في أداء الحقوق والواجبات وتربية الأبناء، فأدى هذا الإهمال إلى انحرافات سلوكية خطيرة سببت التعاسة والشقاء للآباء الأمهات
والله يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)
وهناك الإهمال الدراسي الذي كان من نتائجه ضعف التعليم وضياع السنوات وظهور السلوكيات الخاطئة وضعف الإنتاج وانتشار البطالة، وهناك إهمال في التعامل مع الأسلحة المختلفة وعدم أخذ الحيطة والحذر، فقتل بسبب ذلك أقرب الناس، وسفكت دماء وأزهقت أرواح،
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم “لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار”. وفي رواية “من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينزع، وإن كان أخاه لأبيه
لقد أمرنا الله بحسن العمل
فقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، قالوا: أصوبه وأخلصه.
وقال صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”.
ومن تتبع سنته -صلى الله عليه وسلم- وسيرته رأى الكثير من صور الذم للإهمال والزجر عنه،
مر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: “اتقوا الله في البهائم، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة”. وعن عبد الله بن جعفر -رضي الله عنهما- أنه قال: أردفني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلفه ذات يوم فأسر إليّ حديثًا لا أحدث به أحدًا من الناس، قال: فدخل حائطًا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى الجمل النبي -صلى الله عليه وسلم- حَنَّ وذرفت عيناه، فأتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- فمسح ذفراه فسكت، فقال: “من ربُّ هذا الجمل؟! لمن هذا الجمل؟!”، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي، يا رسول الله، فقال: “أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ الله إياها!! فإنه شكا إلى أنك تُجِيعَهُ، وتدئبه”.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “عُذِّبَت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض”.
وعن خيثمة -رضي الله عنه- أنه قال: كنا جلوسًا مع عبد الله بن عمرو إذ جاءه قهرمان له، فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟! فقال: لا، قال: فانطلق فأعطهم، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته”.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به”.
فكان لزامًا على المؤمن أن يهتم بجودة العمل وإتقانه، ويبذل جهده لإحسانه وإحكامه لشعوره العميق أن الله يراقبه في عمله، وأنه تعالى -كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم-: “كتب الإحسان على كل شيء”.
والله لا يرضى من المؤمن إلا أن يقوم بعمله في صورة كاملة متقنة صحيحة،
هناك خلقان أصيلان يتوقف عليهما جودة العمل وحسن الإنتاج والبعد عن الإهمال، هما: الأمانة والإخلاص، وهما في المؤمن على أكمل صورة وأروع مثال، فالعامل المؤمن ليس همه مجرد الكسب المادي، أو إرضاء صاحب العمل، ولكنه أمين على صنعته يخلص فيها جهده، ويراقب فيها ربه، ويرعى حق إخوانه المؤمنين، قال تعالى: (وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)
وعلينا كذلك أن نتذكر أحوالنا وأعمالنا وبلادنا إذا وقفنا تجاه الإهمال بجد، وسعينا جميعًا إلى الإتقان والجودة في الأعمال، والرعاية التامة لما تحت أيدينا من مصالح عامة وخاصة ينفع الله بها العباد والبلاد، وعلينا كذلك استشعار قيم العظماء وأخلاق الأتقياء فنربي عليها نفوسنا وأهلينا؛
قال رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ، فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ”.
فاللهم خذ بنواصينا إلى كل خير، واهدنا سبلنا ووفقنا للسنن واجعلنا من الراشدين.